الحكاية نفسها التى باتت تتكرر طول الوقت وفى كل مجالات وشؤون حياتنا.. ألا نمضى فى أى طريق حتى نهايته.. وألا نحسم أى شىء بشكل حقيقى ونهائى.. وأن نبقى دائما فى حيرة وارتباك ما بين استكمال تغيير بدأ وبات ممكنا أو التوقف فجأة وتجميد كل شىء بدعوى تسيير الأمور.. ففى كرة القدم.. وقعت المذبحة فى استاد بورسعيد.. وكانت نقطة فاصلة تستحق وتقدر على تغيير نظام وقواعد ووجوه مؤسسة الكرة المصرية.. فالنظام السابق سقط وفقد شرعيته تماما مع كل نقطة دم سقطت، ولم يعد ممكنا بقاؤه تحت أى دعوى أو تبرير.. والقواعد ثبت عدم صلاحيتها وفاعليتها وجدواها واحترامها أيضا.. والوجوه بات من الضرورى أن ترحل عن ''الجبلاية'' وتبتعد، تاركة المسؤولية لوجوه جديدة تصوغ قواعد جديدة يستحقها نظام جديد.. لكن أبداً.. لم يحدث شىء من ذلك.. النظام سقط ظاهريا فقط لكنه لايزال يحكم ويدير الأمور من وراء الستار..
وأصبح من السهل أن تلمح أصابع النظام القديم تمسك بخيوط اللعبة بقبضة حديدية.. إذ لايزال قادة الماضى القريب هم الذين يحكمون ويديرون ويختارون معسكر الإعداد فى قطر.. وهم الذين يرفضون توقيع أى عقوبة على النادى المصرى أو استاد بورسعيد.. وأخيرا هم الذين نجحوا فى تعطيل اجتماع الجمعية العمومية غير العادية، التى كانت تفتش عنها وتطالب بها أندية كثيرة، لتقوم بتغيير النظام الأساسى لاتحاد الكرة.. فقد كان من المفترض أن تجتمع هذه الأندية اليوم لتضع بنود وتفاصيل هذا النظام الأساسى الجديدة، استجابة لطلب ''فيفا'' وأيضا لتدشين عصر كروى جديد فى مصر..
لكن المجلس القومى للرياضة رفض عقد هذه الجمعية دون تقديم أى سبب مقنع أو تفسير حقيقى بعيدا عن حكاية القوانين واللوائح المطاطة، التى تصلح لعروض الحواة فى أى سيرك وليس لإدارة شؤون وشجون بلد أو اتحاد للكرة.. فالنظام الكروى السابق لا يريد أى تغيير.. ويتخيل قادته أن ما جرى فى بورسعيد مجرد أزمة عابرة.. ولا يمانع هؤلاء القادة فى التوارى عن أنظار الناس قليلا، حتى يخفت صوت الأحزان وتهدأ النفوس الغاضبة ويستسلم الجميع للنسيان ويعودوا لحياتهم الطبيعية وهمومها اليومية.. وبعدها يعود القادة القدامى لنفس مقاعدهم وأدوارهم كأنه لم يتغير أى شىء ويعود معهم ''الدورى'' كما كان..
وترجع نفس الوجوه القديمة كلها.. نفس الأفكار والحسابات والمجاملات القديمة.. نفس الفضائح والأهواء والمكاسب بنفس النصوص واللوائح التى يجرى تفصيلها على مقاس بعضهم وحسب أهوائهم ورغباتهم.. وفى حقيقة الأمر.. ليس باستطاعتى أن ألوم رجال النظام السابق وأعاتبهم على ما يقومون به سرا وعلانية.. أو رفضهم التنازل عن سلطاتهم وصولجانهم ومنافعهم.. إنما ألوم فقط وأعتب وأغضب من الذين سيسمحون لهؤلاء بذلك.. فالناس فى بلدى.. وفى مؤسسة الكرة.. يعيشون حياة فى منتهى الغرابة.. يريدون التغيير دون أن يدفعوا ثمنه.. يريدون أن تختفى الوجوه القديمة، لكنهم ليسوا على استعداد للاتفاق أو الترحيب بأى وجه جديد.. يريدون أن يثوروا وفى نفس الوقت يريدون أن تمضى حياتهم بنفس الشكل الذى كان والذى ثاروا عليه أصلاً..
ولهذا لن يفاجئنى يوم يأتى قريبا وأجد فيه نفس الأسماء والوجوه التى كانت تحكم الجبلاية قبل مذبحة استاد بورسعيد وقد عادت كلها أو عاد بعضها مرة أخرى إلى نفس ''الجبلاية''.. فهذا هو ما يجرى التخطيط له الآن.. ووقتها سأصفق لهؤلاء العائدين وأرجو ألا يغضب منى أحد لذلك.. فالناس حين تستسلم للخوف والصمت والعجز والهوان وقلة الحيلة.. يسفر ذلك عن بقاء كل الأوضاع على حالها.. وبقاء نفس الوجوه أيضا.. لكن وقتها لن يكون من حقنا أى صراخ أو حديث عن تغيير الكرة المصرية أو إصلاحها وضبط أمورها.. ولن يكون من حقنا المطالبة بأى حقوق أو قصاص أو عدل أو حتى أحلام ساذجة عشنا بها ولها بعض الوقت، قبل أن نكتشف أننا أصغر كثيرا وجدا حتى من أحلامنا.