الشروق - وائل قنديل يكتب
البرادعى الذى بلا خبرة
"""""""""""""""""""""""
واضح أن جهات عديدة تنشط هذه الأيام لقطع الطريق أمام أية فرصة لحضور الدكتور محمد البرادعى فى المشهد السياسى المصرى الحالى.
وبداية هناك حقيقة دامغة أكدتها الوقائع القديمة والجديدة على الأرض، أولها أن البرادعى لم يسع يوما لتولى منصب، ولم تضبطه عين التاريخ مرة واحدة ضالعا فى صفقة أو مواءمة أو تفاهم أو انحناءة أمام ريح القبح السياسى العاتية التى تكاد تقتلع المبادئ والمثل الإنسانية من جذورها.
وثانية الحقائق الثابتة أن مما يؤخذ على البرادعى من بعض منتقديه أنه غير نهاز للفرص، وأن فرصا عديدة جاءت إليه طائعة مهيأة لكى يقفز داخل كابينة قيادة السفينة فارضا نفسه قائدا وحيدا لكنه لم يفعل.. وقد قيل ذلك فى أعقاب اندلاع الثورة، حين طلب منه النزول إلى الميدان لينصب نفسه قائدا لثورة هو أبرز صانعيها ومحركيها، غير أن الرجل رفض بشكل قاطع منطق القنص، مشددا فى مناسبات عدة على أنها ثورة الشعب المصرى كله.
وتكرر الأمر نفسه فى أحداث محمد محمود حين طالب به المعتصمون فى الميدان رئيسا لحكومة إنقاذ وطنى، أو رئيسا لمجلس رئاسى مدنى، غير أن الرجل وبمنتهى النبل المعروف عنه أعلن أنه لا سبيل للخروج من مستنقع المرحلة الانتقالية إلا بعمل جماعى تتوافق عليه القوى السياسية الفاعلة فى الساحة.
والآن وفى وسط الشبورة الحالية برز اسم الدكتور البرادعى كأفضل الوجوه المرشحة لتشكيل الحكومة الجديدة، وبالطريقة ذاتها يتم استخدام الأساليب القديمة لإحراق هذه الاحتمالية.
والثابت فى هذه المسألة أن الجبهة الوطنية التى تشكلت قبيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة وضعت فى صدر ترشيحاتها لرئاسة الحكومة الجديدة اسم محمد البرادعى، غير أن قطاع طرق عديدين سربوا مرة أن الرجل رافض، ومرة أخرى أنه التقى أعضاء من الفريق الرئاسى وأبلغهم أنه «رافض لكنه رفض غير نهائى» بناء على كلام مصادر من حزب الحرية والعدالة، ثم فى مرة ثالثة يسرب المسربون على لسان مصادر ـ لا تظهر أبدا وكأنها كائنات فضائية ـ أن الرئيس محمد مرسى استبعد البرادعى بناء على تقارير سيادية تقول إنه لا يتمتع بخبرات تنفيذية وتوصى بتوظيفه فى مجالات عمل أخرى!
وفى حدود معلوماتى المتواضعة فإن أحدا من رئاسة الجمهورية أو من الحرية والعدالة لم يتحدث مع الدكتور البرادعى فى هذا الشأن حتى هذه اللحظة، علما بأن الترشيحات المرفوعة من قبل الجبهة الوطنية التى تم تدشينها بحضور الدكتور محمد مرسى كمشروع شراكة وطنية مكون من ستة بنود أعلن الرئيس المنتخب التزامه بها، وضعت اسم البرادعى رئيسا للحكومة.
والشىء المؤكد أن شيئا لم يعرض على البرادعى حتى يقال إنه وافق أو رفض، ومن ثم فى هذه الحالة تقتضى الشجاعة الأخلاقية أن تكشف المصادر «المجهلة» فى حزب الحرية والعدالة عن نفسها وتعلن الحقيقة احتراما للرأى العام.
أما حكاية التقارير السيادية التى تنصح بعدم تولى البرادعى رئاسة الحكومة لقلة الخبرة فهذه نكتة تنتمى إلى زمن «الإعلام المونولوجيست» أيام المخلوع، مع الوضع فى الاعتبار أن الدكتور محمد مرسى نفسه ـ مع الاحترام لمنصبه وشخصه ـ ليست لديه خبرات سابقة فى أمور رئاسة الجمهورية.
ويبقى أن المعدة المصرية ليست مهيأة بعد لهضم رجل بنظافة واستقامة البرادعى، بعد أن اعتادت طويلا مسرطنات السياسة الملوثة.